الجمعة، 2 نوفمبر 2012

مررنا على دار الشهيد


مررنا على دار الشهيد
نابلس من هنا بدأت


زئير حاد من رشاش كلاشنكوف يملأ الزقاق صدىً..
وكرامة.
لم يكن هذا ما سمعت، ولكن كان ما أرى الآن أثرا في أحد أروقة بلدة نابلس القديمة. 

 

Nablus Old City

في تلكم الزقاق قاتل الشهداء والملائكة، وفيها المعجزات تلمس باليدين، تروي لك حكاية من حكايات أسطورة الانتفاضة، تلك المعجزة الكبرى، والملهمة السامية. يقولون أيضا أنها انتهت، لا أعلم ما حكم الواقع فيها، ولكنّ نفسي ترفض الاعتراف بذلك، تردد أحيانا أن الانتفاضة باقية لا تموت، فهي كأسماء الشهداء، وخارطة الوطن، وشجر الزيتون، ورائحة نسيم الصباح في بلادي، أمثل هذه الأشياء تموت؟ 


بين موقع استشهاد باسم أبو سرية وموقع استشهاد رفيق دربه فادي قفيشة أصرخ بكل ما في من ألم: "يا لعظمتك يا حجارة نابلس، أي أرواح من الشهداء طافت بينك، أي دماء حويت، وأي رجال مرت بك!". 

 أمعن النظر مرارا بين مواقع النجوم، وحالي ترقب سلاما من أحد الشهداء. بدا لي أن مخيلتي قد تجاوزت الواقع، لكنها تعاند، وتبادر بالسلام علهم سمعوا، وعرفوا أن هناك من جاء لزيارتهم، وأعود موهما نفسي أنها ازددات مقاومة، أو أني تعلمت عنها ومنها، أو أني زرت المدينة في انتفاضتها. 

هل كان شهداؤك يتكلمون هذه اللهجة التي أسمعها في البلدة القديمة؟ إذن سأسميك من الآن لهجة الشهداء، ويالشهداء، ليس هنالك أجمل مما تركوا... 

ما زلت أسير باحثا عن رائحة الشهداء، كانت المهمة صعبة بعد أن ملئت المدينة برائحة الانتخابات البلدية التي كانت تجري في ذلك اليوم، وقد تأتي بعدها الانتخابات التشريعية، ثم انتخابات رئاسة "السلطة"... خلاصة الحديث أن صور الدعايات هذه قد صعبت مهمتي وعكرت صفو مزاجي، وقد تحسن السلطة صنعا لو تتخذ قرارا بعدم إجراء دعاية انتخابية في مكان تواجد به شهيد فلسطيني، مع أني لست متيقنا إن كان ذلك ممكنا، أو إن كان ذلك المكان موجودا في "فلسطين". 

سرت حتى وصلت بيت الأسير حسن الصفدي، أحد أبطال معركة الإضراب الكبرى، هنا ملأت رئتيّ بشهيق طويل، فالهواء هنا لا بد أن يكون قد حمل شيئا من حسن، إنه هواء إرادة، وليست أي إرادة، إنها إرادة هزمت الاحتلال، دولة، وحكومة، وجيشا، وحسنٌ الرائع حرٌ لحظة كتابة هذه السطور. يا لحظي، سأعود إلى القدس الآن حاملا شيئا رائعا يفرحها، سأعود لها بالأمل! 

عود على بدء، كم أتذكر الطاهر وطار "الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، هكذا قال العم عابد "شهداء القرية كلهم سيعودون"، رددها العم عابد مرارا، كان واثقا جدا، فقد ترك الشهداء لنا رسالة كان العم يحملها بحرص. أعتقد أن العم عابد كان مصيبا، فشهداء القرية سيعودون، إنّ كل شهيد قد ترك شهيدا آخرا من بعده، سيخرج هذا الشهيد يوما، إنه "بالباب واقف والردى منه خائف"، هكذا سمعت إبراهيم طوقان يقول عندما مررت من بيته...